الجمعة، 15 مايو 2015

المحاكم العسكرية مستمرة رغم أنف الثورة


«الثوار مش بلطجية ليه نتحاكم عسكرية» و«قولنا عيش عدالة حرية مش محاكم عسكرية»، هتافات صدحت بها الحناجر على مدار عامين من عمر الثورة المصرية، لتؤكد حق المصريين في محاكمات مدنية عادلة. هدفٌ ظل بعيد المنال عن المصريين وثورتهم حتى الآن

 المحاكمات العسكرية للمدنيين سيف سُلّط على رقاب المصريين، وحصد حريتهم واحداً تلو الآخر، بمجرد أن وطئت قدم أول جندي من قوات الجيش المصري للشارع بعد انسحاب الشرطة في 28 كانون الثاني 2011 وإعلان حظر التجوال حينها بدعوى مواجهة حالة الانفلات الأمني والبلطجة. القانون المصري يتيح هذا النوع من المحاكمات وفق قانون المحاكم العسكرية الصادر في 1 حزيران 1966، وهو قانون لا يزال مستمراً حتى الآن، وينص في مواده على أنّ «السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أو لا»، ما يعني عدم إمكانية نقض أحكامها بعدم الاختصاص في أي قضية مهما كان موضوعها أو مرتكبها. وتحدد المادة الخامسة النطاق المكاني للجرائم التي تقع تحت طائلته في «أي جريمة تُرتكب بأي مكان يشغله العسكريون لصالح القوات المسلحة أينما وجد، بما في ذلك المحلات والمؤسسات والأماكن»، وهو نطاق واسع للغاية وحتماً سيوجد فيه مدنيون. كذلك لم يستثن القانون الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً.

تقول الناشطة الحقوقية، منى سيف، عضو «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، المجموعة التي دُشنت للدفاع عن حق المدنيين في محاكمة عادلة أمام قضاء مدني، مع المطالبة بحظر المحاكمات العسكرية للمدنيين، في حديث لـ«الأخبار» إن أعداد الذين حوكموا أمام القضاء العسكري يقدرون بالآلاف، ولا إحصائية دقيقة تستطيع من خلالها حصرهم حتى الآن. وتؤكد أن الكيان الوحيد القادر على تحديد ذلك هو القضاء العسكري، الذي أعلن من خلال رئيسه في ذلك الوقت، وبالتحديد في أيلول 2011، أن عدد الذين مثلوا أمام القضاء العسكري منذ كانون الثاني من نفس العام وحتى آب يقدر بنحو 12000 مدني، مؤكدة أن المحاكمات العسكرية لم تتوقف حتى الآن، وأن وتيرتها تزيد وتقل حسب انتشار قوات الجيش في الشوارع، ورغم ذلك لم ترد أية تحديثات لهذا الرقم.
وعلى الرغم من معاناة تيار الإسلام السياسي، وخصوصاً جماعة «الإخوان المسلمين» من الأحكام العسكرية منذ حُكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، غير أنهم عندما صعدوا إلى سدّة الحكم في مصر، سواء من خلال حصولهم على أغلبية برلمانية أو وصولهم إلى مقعد الرئاسة عقب ثورة «يناير»، لم يتخذوا أية تشريعات تحمي المدنيين من المحاكمات العسكرية. وتؤكد سيف أن المجموعة عرضت اقتراحاتها على تأسيسية الدستور الجديد في 2012، التي كانت غالبيتها من التيارات الاسلامية لحظر المحاكمات العسكرية للمدنيين. وبالفعل، استُجيب للاقتراحات في البداية، وأُقرّت مادة دستورية بذلك، ولكن عند عرض المسودة النهائية للدستور فوجئوا بوجود المادة 198 التي تجيز محاكمة المدنيين عسكرياً في «الجرائم التي تضرّ بالقوات المسلحة، ويحدّد القانون تلك الجرائم»، أي إن المادة لم تُبقِ فقط على المحاكمات، بل تركت ايضاً تنظيم اختصاصها للقانون العسكري.
وتضيف سيف أنه: «بعد تعطيل دستور 2012 وعزل الرئيس محمد مرسي في «30 يونيو»، تجاهلت لجنة العشرة التي شكلها الرئيس المؤقت عدلي منصور لتعديل الدستور المعطل مطالب إلغاء المحاكمات العسكرية ضدّ المدنيين، وكذلك الملاحظات التي تضمنتها مذكرة المجموعة التي سُلِّمت للجنة في إنذار رسمي، غير أن مسودة التعديل التي سُلِّمت للجنة الخمسين أبقت على النص الخاص بجواز محاكمة المدنيين عسكرياً بعد تعديل إحالتهم على تلك المحاكم في (الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة) إلى (الجرائم التي تُمثل اعتداءً مباشراً على القوات المسلحة)».
ولعل حادثة لاعب نادي الزمالك محمود عبد الرازق «شيكابالا»، التي أثارت الوسط الرياضي أخيراً، تعكس استخدام ضباط القوات المسلحة لسيف المحاكمات العسكرية. فقد أمرت النيابة العسكرية بضبط «شيكابالا» وإحضاره
، على خلفية مشادة وقعت بين اللاعب وضابط في القوات الجوية يرتدي زيه المدني صودف وجوده أثناء وصول بعثة الفريق إلى مطار الجونة بالغردقة، وكانت إشارة الضابط إلى قميصه الأحمر «لون زي النادي الأهلي غريم الفريق التقليدي»، سبباً في اشعال الأمور حتى وصلت إلى تبادل الشتائم. لكن في ما بعد، سُوِّيت القضية بالتصالح والتنازل عن المحاضر وحفظها رسمياً من جانب النيابة.
وقبل نحو أسبوع تقريباً، قضت المحكمة العسكرية في السويس بالسجن المشدد 3 سنوات لثلاثة متهمين من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي بتهمة كسر حظر التجوال بمسيرة تطالب بعودة الرئيس المعزول إلى منصبه، وترديد هتافات عبر مكبرات صوت تؤثر على الأمن القومي.
وتُعَدّ واقعة قبض قوات الجيش على الصحفي مراسل جريدة «المصري اليوم» أحمد أبو دراع، الحاصل على جائزة «سمير قصير» لحرية الصحافة، في 5 أيلول الجاري بسيناء الأكثر تعقيداً حتى الآن؛ فالمتحدث العسكري العقيد أحمد محمد علي يصر على أن محاكمة أبو دراع عسكرياً حق أصيل للقضاء العسكري، لا القضاء المدني؛ لأنه أذاع في الخارج والداخل بيانات كاذبة عن الأوضاع في سيناء ومصر، ووُجد في منطقة عسكرية لا يُصرَّح للمدنيين بأن يكونوا فيها. لكن خالد البلشي، عضو لجنة نقابة الصحفيين، أكد لـ«الأخبار» أن «النقابة أصدرت بياناً يرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين عموماً، ولأبو دراع خصوصاً؛ لأن هذا يُعَدّ اعتداءً على حرية الصحافة، ولا بد للدولة أن توفر ضمانات العمل للصحفيين، وأن النقابة كلفت محاميها حضور جلسات محاكمته والضغط لتحويل القضية للقضاء المدني».
وتظل المحاكمات العسكرية للمدنيين تطارد المواطنين أينما وُجدوا بالقرب من شخص يرتدي الزي العسكري؛ فلا فرق بين مواطن معارض أو لاعب كرة متحمس لناديه أو صحفي يؤدي مهمات مهنته؛ فالكل سواء، والمساواة في المحاكمة العسكرية واجب وطني وحماية للأمن القومي!

نشر في جريدة الأخبار اللبنانية العدد ٢١١٤ بتاريخ 26 سبتمبر 2013 http://www.al-akhbar.com/node/192052

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق